فيها عقاب كبير ومنافع لخزينة الدولة.. متى يخرج تعامل المغرب مع القوانين المتعلقة بالخمور من حالة السكر؟
لا يتصور أحد ممن يزورون المدن الكبرى والسياحية بالمغرب، أن هذا البلد الذي يعج بالملاهي الليلية والحانات، والذي تقدم فيه المشروبات الكحولية بشكل طبيعي في الكثير من المطاعم وجل الفنادق، لا زالت ترسانته القانونية إلى اليوم تضم نصوصا تمنع تقديم الخمور لغير المسلمين وتعاقب على السكر العلني بالطرد من الوظيفة العمومية ومن الحرمان من حق الترشح والتصويت.
وعاد هذا النقاش للواجهة بعد إعلان غرفة التجارة الألمانية عن تنظيم مهرجان للجعة بالمملكة شهر أكتوبر المقبل، لتعود علامات الاستفهام حول سبب إصرار المشرع المغربي على عدم تحديث منظومته القانونية لتلائم الواقع المعاش ولتحسم في ما يتعلق بتناول وتصنيع وبيع الخمور، في وقت الذي تعترف فيه الحكومة سنويا بتلقيها أموالا طائلة من هذه العملية.
عقوبات شديدة منذ الستينات
وبالعودة إلى المرسوم الملكي بمثابة قانون المتعلق بالسكر العلني، الصادر سنة 1967 والذي لا تزال فصوله مطبقة إلى الآن، نجد أنه ينص على أنه يعاقب بالحبس لمدة تترواح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين 150 و500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص وجد في حالة سكر بين في الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم، ويضيف "يمكن أن تضاعف هاتان العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود بحالة سكر في ضوضاء تقلق راحة العموم".
والملاحظ أن هذا النص تحديدا لا يفرق بين السكر في الشارع العام أو السكر داخل الحانات والنوادي الليلة والمطاعم، باعبارها جميعها فضاءات عامة، بل إنه في فصله الثاني يشدد العقوبة في حالة العود حيث ينص على "يصدر الحكم لزوما بعقوبة الحبس في حالة العود الأول إلى ارتكاب المخالفة المنصوص عليها في المقطع الأول من الفصل السابق، وإذا عاد المعني بالأمر مرة أخرى إلى ارتكاب المخالفة صدر الحكم بأقصى عقوبتي الحبس والغرامة المشار إليهما في المقطع المذكور".
ثم يذهب الفصل الثالث أبعد من ذلك حين ينص على أن كل شخص محكوم عليه من أجل عودتان إلى السكر العلني البين يمكن منعه بموجب نفس الحكم لمدة سنتين على الأكثر من مزاولة حق أو عدد من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 26 من القانون الجنائي، ويمكن أن يطبق عليه بالإضافة إلى ذلك أحد التدابير الاحتياطية المنصوص عليها في الفقرات 3 و 4 و 5 و6 من الفصل 61 من القانون المذكور.
ولفهم هذا الأمر أكثر وجبت العودة إلى الفصل 26 من القانون الجنائي المغربي، والمتعلق بالتجريد من الحقوق الوطنية، ويشمل ذلك عزل المحكوم عليه وطرده من جميع الوظائف العمومية وكل الخدمات والأعمال العمومية، أو حرمانه من أن يكون ناخبا أو منتخبا وحرمانه بصفة عامة من سائر الحقوق الوطنية والسياسية ومن حق التحلي بأي وسام، أو عدم أهليته للقيام بمهمة عضو محلف أو خبير، وعدم الأهلية لأداء الشهادة في أي رسم من الرسوم أو الشهادة أمام القضاء إلا على سبيل الإخبار فقط، وعدم أهليته لأن يكون وصيا أو مشرفا على غير أولاده، ثم الحرمان من حق حمل السلاح ومن الخدمة في الجيش والقيام بتعليم أو إدارة مدرسة أو العمل في مؤسسة للتعليم كأستاذ أو مدرس أو مراقب.
أما الفقرات الفقرات 3 و4 و5 و6 من الفصل 61 من القانون الجنائي، فتشمل تواليا المنع من الإقامة، والإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، والوضع داخل مؤسسة للعلاج، والوضع القضائي في مؤسسة فلاحية، وهي إحدى أنواع المؤسسات السجنية بالمملكة.
لا خمور للمسلمين.. على الورق
ومن الأمور الأخرى المثيرة للانتباه في موضوع تداول الخمور بالمغرب، ما يتعلق برخصة صناعتها والاتجار فيها، وبالعودة إلى المقتضيات المعلن عنها من لدن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية "أونسا"، نجد أنه يتم إصدار رخصة صناعة الخمور بشكل مشترك من طرف المؤسسة المستقلة لمراقبة وتنسيق الصادرات وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بعد إبداء رأي إيجابي من طرف "أونسا"
أما بخصوص رخصة الاتجار في الخمور، فيقل المنشور أن ممارسة نشاط تجارة بالجملة أو نصف الجملة تخضع لموافقة المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الممنوحة بعد إبداء رأي إيجابي من طرف السلطات المحلية المعنية، وفقا للمادة 30 من القرار الصادر سنة 1977 بشأن صناعة وضبط وتداول وتجارة الخمور.
لكن كل ذلك يدخل عليه مجددا قانون 1967 فالفصل 28 ينص على أنه يمنع على مستغل كل مؤسسة تتوقف على رخصة أن يبيع أو يقدم مجانا مشروبات كحولية أو ممزوجة بالكحول إلى المغاربة المسلمين، ويعاقب عن المخالفات للمقتضيات السابقة بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وفي حالة العود إلى المخالفة يمكن أن تضاعف عقوبة الحبس والغرامة المنصوص عليهما أعلاه.
ويطرح هذا النص العديد من علامات الاستفهام حول جدواه حاليا، إذ بغض النظر عن النداءات المطالبة بإلغائه استنادا إلى كون الأمر يتعلق بحرية شخصية يجب أن تُكفل لأي مواطن مغربي بغض النظر عن معتقداته الدينية، فإن واقع الحال هو أن الأغلبية الساحقة من مستهلكي الخمور المغرب حاليا مسلمون، ولا يحتاج الأمر للكثير من التدقيق لملاحظة ذلك في الحانات والملاهي الليلية والمطاعم، بمن في ذلك مجموعة من العاملين في المؤسسات الأمنية والقضائية المكلفة بإنفاذ القانون.
استهلاك كبير ومداخيل قياسية
وتبدو المنظومة القانونية منفصلة تماما عن الواقع بالرجوع إلى أرقام الإنتاج والاستهلاك، فالمملكة أضحت بالفعل منذ عقود إحدى الدول المصدرة للخمور، وحسب المنظمة الدولية للنبيذ فإن المغرب هو ثاني أكبر بلد إفريقي يُصدر المشروبات الكحولية بعد جنوب إفريقيا، ويصدر سنويا ما مجموعه 54 ألف هيكتولتر من الخمور بما يمثل نسبة 61 في المائة من الإنتاج المحلي، وهو ثالث بلد في القارة من حيث حجم الإنتاج بـ333 هيكتولتر، أما منظمة الصحة العالمية فوضعته في الرتبة الخامسة بين الدول العربية الأكثر استهلاكا للخمر سنة 2014.
ووفق تقرير صدر سنة 2013 عن وكالة الأنباء البريطانية رويترز، حول حجم استهلاك الخمور في العالم العربي، اتضح أن المغاربة استهلكوا في عام واحد 131 مليون لتر من المشروبات الكحولية بما في ذلك 400 مليون قنينة جعة و38 مليون قنينة خمر ومليون ونصف مليون قنينة ويسكي ومليون قنينة فودكا و140 ألف قنينة شامبانيا.
أما الأدعى للاستغراب، في ظل القوانين المشددة على الخمور المعمول بها حاليا، هي استفادة الدولة من هذا الواقع بشكل كبير، ففي فبراير من هذه السنة كشف التقرير المتعلق بتنفيذ قانون المالية لسنة 2021 والصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية أن خزينة المملكة جنت 810 ملايين درهم كإرادات عن بيع المشروبات الروحية بينما كانت تتوقع ألا يتجاوز هذا الرقم 651 مليون درهم، كما أن مداخيل الضرائب على الجعة وصلت إلى مليار درهم بدل 800 مليون درهم المتوقعة.
مهرجان ألماني للجعة
وفي ظل كل ذلك، فاجأت الغرفة الألمانية للتجارة والصناعة بالمغرب، الجميع، بإعلان تنظيم مهرجان "أكتوبر فيست"، المعروف بكونه مهرجانا لتناول الجعة، في منطقة بوسكورة قرب الدار البيضاء يوم 28 أكتوبر المقبل، وهي المرة الأولى التي سيتم فيها تنظيم هذا المهرجان الذي سيُخصص له فضاء يتسع لـ300 شخص.
ولن يكون الوصول إلى هذا الاحتفال مجانيا، حيث ستتراوح أثمنة التذاكر بين 800 و1400 درهم، وفتحت الغرفة الألمانية المجال للأعضاء مقابل 800 أو 900 أو 1000 درهم، حسب مرحلة اقتنائها، لكن المثير للانتباه أن غير الأعضاء أيضا بإمكانهم المشاركة مقابل تذاكر بقيمة تتراوح بين 1200 و1400 درهم، ما يعني أن المجال سيكون متاحا أيضا للمغاربة.
ويمثل هذا الاحتفال مشهدا من المشاهد الغريبة في قضية تعامل الدولة مع المشروبات الحكولية، ففي الوقت الذي تتيح فيه المجال بشكل صريح لدولة أوروبية لتنظيم أكبر احتفالاتها الخمرية على الإطلاق، مدفوعة بمصالح دبلوماسية انطلاقا من أن ألمانيا هي إحدى الدول التي أصبحت تجمعها بالمغرب علاقات دبلوماسية قوية بعد موقفها المساند للحكم الذاتي في الصحراء، فإنها من جهة أخرى تتعامل مع النص القانوني بشكل "سريالي"، فلا هي تطبقه كما هو ولا هي قادرة على تغييره.
وكانت العديد من الأصوات قد دعت إلى تغيير هذا النص القانوني ليلائم الواقع، وينسجم مع ما تحققه الدولة من مكاسب مالية من تجارة المشروبات الكحولية، على أن يتم تشديد المراقبة على الخمور المهربة والحانات القريبة من المؤسسات التعليمية، لكن لا يبدو أي تجاوب مع هذه المطالب على المستوى الرسمية على الرغم من أن الأمر يتعلق بنص يبلغ من العمر 55 عاما.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :